الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الإقناع في القراءات السبع
.ذكر المتوسطة: المتوسطة: على ضربين، ساكنة ومتحركة، وأعني بالمتوسطة التي هي لام الفعل، فاتصل بها ضمير أخرجها عن الطرف، أو التي هي عين الفعل، أو التي هي فاء الفعل، ودخل عليها حرف زيادة فصيرها متوسطة، حرف الزيادة من بناء الكلمة التي يزاد فيها، كزوائد المضارعة في {يُؤْمِنُ} والميم في {مُؤْمِنٌ} فأما حرف المعنى، ففي تقدير كلمة منفردة كغيرها من الكلم، نحو حروف الجر، وحروف العطف، وحروف التعريف. فالساكنة: تبدل حرفا من جنس حركة ما قبلها على ما قدمت في غير موضع، نحو: "المؤمنون، ويؤفكون، ورأس، وشأن، والرؤيا، وسؤلك"، و {تَسُؤْهُمْ} [آل عمران: 120]، [والتوبة: 50]، و"مؤصدة، ولؤلؤ، وكدأب، ويأكلون، والذئب، والبئر، وبئس" وشبهه. وذكر مكي وأبو عمرو أن قوما من أهل الأداء أدغموا ما اجتمع فيه مثلان،وذلك {تُؤْوِي}، و {تُؤْوِيهِ}، و {وَرِئْيًا} [مريم: 74] اعتدادا بالعارض، واختاره أبو عمرو لموافقته الخط، ولأنه -فيما ذكر- قد جاء نصا عن حمزة في {وَرِئْيًا} واختار أبو محمد الإظهار، وهو الذي عليه أكثر الناس؛ لأن البدل عارض، وهو اختيار أبي -رضي الله عنه- واختيار شيخنا أبي الحسن بن شريح. قال أبو محمد مكي: "فأما "رؤيا" فما علمت أن أحدا من القراء روى فيها الإدغام؛ لأنه يلزم فيها كسر الراء وإبدال الواو ياء مع الإدغام، وذلك تغيير وإحالة". قال لي أبي -رضي الله عنه: هذا كله حكاه سيبويه، وقد أجازه بعضهم ورواه. قال أبو جعفر: ولكن لا يؤخذ به كما ذكر أبو محمد. فأما {أَنْبِئْهُمْ} [البقرة: 33] منهم من كسر الهاء لمجاورتها الياء المبدلة من الهمزة، كما تكسر مع الياء الصحيحة في {فِيهِمْ} وهو مذهب ابن مجاهد. ومنهم من يتركها على حالها من الضم؛ لأن الهمز مراد، ولأنه كهاء {عَلَيْهِمْ} إذ ياؤها غير لازمة مع الظاهر، فمراعاة حال الوصل في الوقف آكد من مراعاة حال الظاهر مع الضمير، وهذا الوجه أولى، وقد نص عليه أبو هشام الرفاعي. وأما المتحركة: فما قبلها ينقسم كانقسام ما قبل المتطرفة: فإن سكن ما قبلها، وكان حرفا صحيحا، أو واوا أو ياء أصليين حذفتها، وألقيت حركتها على الساكن فحركته بها نحو {خِطْئًا} [الإسراء: 31]، و {الْمَشْأَمَةِ} [الواقعة: 9، والبلد: 19]، و {تَجْأَرُونَ} [النحل: 53]، و {يَسْأَلونَ} [الأنبياء: 23]، [والزخرف: 19]، و {شَيْئًا}، و {كَهَيْئَةِ} [آل عمران: 49]، [والمائدة: 11]، و {مَذْءُومًا} [الأعراف: 18]، و {مَسْؤُولًا}، و {سِيئَتْ} [الملك: 27]، و {اسْتَيْأَسُوا} [يوسف: 80]، و {مَوْئِلًا} [الكهف: 58]، و {الْمَوْؤُودَة} [التكوير: 8] وشبهه. وهذا التخفيف القياسي موافق في هذا الفصل للخط، إلا {النَّشْأَةَ}، و {مَوْئِلًا} فإنهما كتبتا بألف وياء بعد الساكنين، وسأورد ما ذكر القراء فيهما إن شاء الله تعالى. وإن كان الساكن زائدا أبدلت وأدغمت إذا كان ياء أو واوا، نحو قوله: {هَنِيئًا}، و {مَرِيئًا}، و {بَرِيئُونَ} [يونس: 41]، و {خَطِيئَةً} [النساء: 112]، و {خَطِيئَاتِكُمْ} [الأعراف: 116]، وما كان على وزن "فعيل" حيث وقع، ولم تأت الواو في القرآن. وقال مكي وأبو عمرو: لا يجوز في الزائد إلا الإدغام. وقال الأهوازي: رأيت من يذكر التخفيف في ذلك مع ترك همزهن. وقد قدمت أن حكايته تحتمل بين بين، أو النقل والحذف، وكلاهما قد ذكره النحويون. وإن كان الساكن ألفا خففت الهمزة بين بين، كانت الألف منقلبة أو زائدة، نحو {دُعَاءَهُ} [الإسراء: 11]، و {أَوْلِيَاءَهُ} [آل عمران: 175]، و {وَرَاءَهُ} [البقرة: 91] وبابه و {تَرَاءَى} [الشعراء: 61]، و {نِسَاؤُكُمْ} [البقرة: 223]، و {أَبْنَاؤُكُمْ} [النساء: 11]، و {مَاءً}، و {غُثَاءً}، و {سَوَاءٌ}، و {آبَاؤُكُمْ}، و {جَاءُوا}، و {هَاؤُمُ} [الحاقة: 19]، و {مِنْ آبَائِهِمْ}، و {الْقَائِمِينَ} [الحج: 26]، و {خَائِفِينَ} [البقرة: 114]، و {مَلائِكَتِهِ} وشبهه. قال أبو عمرو: وإن شئت مكنت الألف اعتدادا بالهمزة، وإن شئت قصرتها لعدمها مخففة. قال: والتمكين أقيس. وغير أبي عمرو لا يذكر في ذلك إلا التمكين فقط. وإن تحرك ما قبلها انقسمت باعتقاب الحركات عليها، وعلى ما قبلها مع اتفاقها واختلافها تسعة أقسام:أن تكون مفتوحة قبلها فتحة نحو {سَأَلَ} [المعارج: 1]، و {تَأَخَّرَ} [البقرة: 203]، و {خَطَأً} [النساء: 92]، و {مَلْجَأً}، و {مُتَّكَأً} [يوسف: 31]. {رُؤُوسَكُمْ} [البقرة: 196، والفتح: 27]، و {بِرُؤُوسِكُمْ} [المائدة: 6]. أو مكسورة قبلها كسرة نحو: {خَاسِئِينَ} [البقرة: 65]، [والأعراف: 166]، و {مُتَّكِئِينَ}. أو مفتوحة قبلها ضمة، نحو {يُؤَيِّدُ} [آل عمران: 13]، و {لُؤْلُؤًا}، و {نُؤَخِّرُهُ} [هود: 104]، و {يُؤَدِّهِ} [آل عمران: 75]، و {يُؤَلِّفُ} [النور: 43]. أو مفتوحة قبلها كسرة نحو {سَيِّئَةً}، و {وَنُنْشِئَكُمْ} [الواقعة: 61]، و {إِنَّ شَانِئَكَ} [الكوثر: 3]، و {مُلِئَتْ} [الجن: 8]، و {الْخَاطِئَةِ} [الحاقة: 9]، و {مِائَةَ}، و {مِائَتَيْنِ}، و {فِئَةٌ}، و {فِئَتَيْنِ}. أو مضمومة قبلها فتحة نحو: {رَؤُوفٌ}، و {فَادْرَأُوا} [آل عمران: 168]، و {يَؤُوسًا} [الإسراء: 83]، و {وَلَا يَؤُودُهُ} [البقرة: 255]. أو مضمومة قبلها كسرة، نحو: {يَسْتَهْزِئُونَ}، و {مُسْتَهْزِئُونَ} [البقرة: 14]، و {لِيُوَاطِئُوا} [التوبة: 37]، و {أُنَبِّئُكُمْ}، و {سَنُقْرِئُكَ} [الأعلى: 6]، و {سَيِّئُهُ} [الإسراء: 38]. أو مكسورة قبلها ضمة، نحو {سُئِلُوا} [الأحزاب: 14]، و {سُئِلَ} [البقرة: 108]. أو مكسورة قبلها فتحة، نحو: {يَئِسُوا} [العنكبوت: 23، والممتحنة: 13]، و {يَئِسَ} [المائدة: 3]، [والممتحنة: 13]، و {يَوْمَئِذٍ}، و {حِينَئِذٍ} [الواقعة: 84] وشبهه. فحكم هذه الأقسام التخفيف بين بين، إلا المفتوحة التي قبلها كسرة أو ضمة فإنها تبدل مع الكسرة ياء، ومع الضمة واوا؛ لأنه لا يستطاع فيها بين بين، لأنها لو قربت من الألف لم يمكن ذلك؛ لأن الألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا، فكذلك فيما قرب منها لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا، وقبلها في أحد النوعين كسر، وفي الآخر ضم؛ فلذلك لا يستطاع فيها بين بين، وجاز البدل في المضمومة المكسور ما قبلها إذا كانت صورتها في الخط ياء، فأبدلوها ياء مضمومة اتباعا للخط، نحو: {أُنَبِّئُكُمْ}، و {سَنُقْرِئُكَ}، و {كَانَ سَيِّئُهُ}. فقال لي أبي -رضي الله عنه: القياس أن تخفف بين الهمزة والواو على ما رآه سيبويه، ويوجه كتاب المصحف بالياء على ما يجب للهمزة المتطرفة من التخفيف في "سنقرئ، وسيء، وأنبئ" في الوقف، بإبدالها ياء، ثم يتصل الضمير بعد ذلك، وقد وجب كتابها في الانفراد ياء..ذكر المبتدأة: المبتدأة المنزلة منزلة المتوسطة هي الهمزة التي هي فاء الفعل إن كانت الكلمة مما يوزن، نحو: "يؤمن، ويؤمنون، ويؤخر، ويؤيد"، و {تَؤُزُّهُمْ} [مريم: 83]، و {وَلَا يَؤُودُهُ} ونحوه. أو في حكم ما هو فاء الفعل إن كانت الكلمة مما لا يوزن، ودخل عليها زائد من حروف المعاني أو غيرها من الكلم. وحروف المعاني هي الحروف التي في تقدير الانفراد، وليست من بناء الكلمة، سواء كانت متصلة في الخط، نحو لام الجر، وبائه، ولام التعريف، أو منفصلة فيه، نحو واو العطف، وألف الاستفهام، وحروف التشبيه. وفرق ما بينها وبين حروف الزيادة أن تلك بنيت الكلمة عليها بناء لا يتقدر فيه انفصال، فاعرف هذا فليس بمتقن في كتبهم، وإن كان المتقدمون من القراء إياه أرادوا. وهذه الهمزة أحكام تخفيفها كأحكام المتوسطة سواء، إلا أنه قد يوجد من المتوسطة ما لا نظير له فيها. فما كان متحركا فإن كان قبله ساكن غير الألف نقلت الحركة إليه نحو {قَدْ أَفْلَحَ} [المؤمنون: 1]، و {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ} [المائدة: 32] ونحو "الأرض، والآخرة" ولام التعريف كله. وقد كنت بينت أن لام التعريف حرف معنى كقد، لا حرف زيادة كميم اسم الفاعل. وإن كان الساكن ألفا جعلت بين بين، نحو: "هؤلاء، وها أنتم، ويا أيها"، و {يَا أُخْتَ} [مريم: 28]، و"يا آدم، ويا أولي". وإن كان ما قبلها متحركا فعلى حكم ما تقدم، إما بين بين، أو البدل، نحو: {أَأَنْذَرْتَهُمْ}، و {أَفَأَنْتَ}، و {سَأَصْرِفُ} [الأعراف: 146]، و {كَأَيِّنْ}، و {كَأَنَّ}، و {وَيْكَأَنَّ} [القصص: 82]، و {فَلِأُمِّهِ} [النساء: 11]، و {بِأَنَّهُمْ}، و {بِأَيِّكُمُ}، و {فَبِأَيِّ آلاءِ}، و {فَأُعَذِّبُهُمْ}، و {لِأُولَاهُمْ} [الأعراف: 38]، و {لَإِحْدَى الْكُبَرِ} [المدثر: 35]. وإن كانت ساكنة، فالبدل نحو {لِقَاءَنَا ائْتِ} [يونس: 15]، و {إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا} [الأنعام: 71]، و {الَّذِي اؤْتُمِنَ} [البقرة: 283]، و {قَالُوا ائْتُوا} [الجاثية: 25]. فأكثر القراء يأخذون لحمزة بالتسهيل في هذا الباب؛ لأن الهمزة قد صارت متوسطة، ولا يوقف على حروف المعاني وغيرها دونها، وله أصل عن خلف؛ لأنه قال في كتاب الوقف: "أإن لنا، وأإنك" نقف عليهما بغير همز، إلا أن من أخذ بالتسهيل ربما خلط فأخذ في بعض ذلك بالتحقيق، وفي بعضه بالتسهيل، مثلما اختاروا في {الْأَرْضِ} وبابه التسهيل، وفي {قَدْ أَفْلَحَ} وشبهه مما انفصل في الخط التحقيق. والأمر عندنا فيهما واحد، وهذا كذكرهم في المتوسطة حروفا من هذا الباب، وفي هذا الباب حروفا من المتوسطة؛ لأن نكتة الفرق بين البابين ذهبت عنهم، وهي تحصيل حرف الزيادة من حرف المعنى، وإنما نظروا إلى الخط. ومن الناس من يأخذ لحمزة في هذا الباب بالتحقيق لا غير؛ لكون الهمزات مبتدآت، وهو قياس ما روى أبو أيوب الضبي عن رجاء بن عيسى أن حمزة يقف على "الآخرة، والأولى" وبابهما بالهمز كالوصل، وكذلك روى أبو مزاحم الخاقاني عن أصحابه عن حمزة، وهو اختيار أبي سهل وأبي الطيب وابنه طاهر وغيرهم. وهو اختيار أبي -رضي الله عنه- قال: وهو الصواب الذي لا يصح غيره، والأول اختيار عثمان بن سعيد، وذكر أنه مذهب شيخه أبي الفتح والجمهور من أهل الأداء، وهو اختيار أبي الحسن بن شريح، وذكر لي أنه أقيس..باب: ما ذكر القراء مما جرى في التسهيل على غير قياس سيبويه، وإجراء مسائل على التخفيف القياسي وغيره: اعلم أن كل ما ذكرت من التخفيف في هذه الأبواب لحمزة وغيره فهو على محض القياس إلا قليلا نبهت عليه. وأنا أذكر في هذا الباب حروفا جرت عادتهم بذكر وجوه شاذة فيها. وأصل بذلك مسائل أخذتها عن أبي الحسن بن شريح -أيده الله- فيها تدريب للطالب. وقد رأيت أن أقدم على ذلك عقد القياس في تخفيف الهمزة ليحفظ مجموعا، ثم أتبعه الوجوه الشاذة التي تجري عليها هذه الحروف، فتكون هذه المقدمة تفيد ملاك هذا الباب كله، مطرده وشاذه إن شاء الله -عز وجل. ذكر ذلك: اعلم أن الهمزة المبتدأة لا تخفف؛ لأنها تقرب بالتخفيف من الساكن، فلم يبتدئوا بمقرب من ساكن كما لم يبتدئوا بساكن، وإنما تخفف غير المبتدأة بين بين، أي: بين الهمزة والحرف الذي منه حركتها، وبالبدل وبالحذف. وأصلها في التخفيف بين بين؛ لأنه التخفيف الذي يدل على أصلها من الهمز، فكرهوا تخفيفها بالبدل لئلا تدخل في بنات الياء والواو، وإنما تخفف بالبدل إذا امتنع تخفيفها بين بين وساغ البدل؛ لأنها لا يوجد لها ما تقرب منه، كما لا تخفف بالحذف إلا إذا امتنع تخفيفها بين بين وبالبدل. فهذه طريقة تخفيفها على القياس، فإذا خففت بالبدل حيث يجوز بين بين، أو الحذف حيث يجوز البدل أو بين بين، فهو من التخفيف الشاذ الذي لا يقاس عليه. فالهمزة لا تخلو من أن تكون متحركة قبلها متحرك، أو متحركة قبلها ساكن، أو ساكنة قبلها متحرك. فالمتحركة المتحرك ما قبلها: تخفف بين بين أبدا "كسأل، ولؤم، ويئس، {وإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ} "، إلا المفتوحة المضموم ما قبلها، أو المكسور ما قبلها "كجؤن، ومئر" فإنها تخفف بالبدل حرفا منه حركة ما قبلها "فتقول: جون ومير"، وإنما كان ذلك لأنها لو قربت من الألف لم يمكن ذلك؛ لأن الألف لا يكون قبلها ضمة ولا كسرة، فكذلك ما قرب منها. وإذا كانت ساكنة: خففت بالبدل، تبدل حرفا منه حركة ما قبلها، وإنما كان ذلك كذلك لأن بين بين تقريب المتحرك من الساكن الذي هو أخف منه، وليس بعد الساكن ما هو أخف منه، ولا يمكن ذلك، فرجعوا إلى البدل في الساكنة، كما رجعوا إليه في المتحركة المفتوحة التي قبلها ضمة أو كسرة. وإذا كانت متحركة قبلها ساكن، فلا يخلو الساكن أن يكون حرفا صحيحا أو حرف علة. فإن كان صحيحا خففت الهمزة بأن تحذف وتنقل حركتها إلى الساكن نحو: "الجزء، والخبء، والمرأة، والنشأة" تقول في التخفيف: الجز، والخب، والمرة، والنشة. وإنما كان كذلك لأن تخفيفها بين بين وبالبدل ممتنع؛ لأنه لا يجتمع ساكنان في الوصل، ولا ساكن ومقرب من ساكن، كما لم يجز أن يبتدأ بساكن ولا بمقرب منه؛ لأن ما بعد الساكن في حكم ما يبتدأ به، وقد مضى تمثيل هذا كله. وروى سيبويه أن منهم من يخفف الهمزة هنا بالبدل لسكون ما قبلها، فيجريها مجرى الساكنة فيقول: الكماة والمراة، ويمكن أن يكونوا كتبوا في المصحف "النشأة" بالألف مراعاة لحال تخفيفها في هذه اللغة، ويمكن أن يكون على مذهب أهل التحقيق. وإذا كان الساكن حرف علة، فلا يخلو من أن يكون ألفا أو واوا أو ياء، فالألفتخفف معها الهمزة بين بين، كما تخفف مع المتحركة؛ لأن طول مدها ينوب مناب الحركة وأكثر، وتقول في "هباءَه، وعظاءَه": هباءه، وعظاءه، فتجعلها بين بين. وإن كان ياء أو واوا فلا يخلو أن يكونا زائدين للمد، أو أصلين، أو ملحقين بالأصل. فالزائدان تبدل معهما الهمزة ويدغمان، تقول في "قروء، بريء": قرو، وبري، ولا تخفف الهمزة معهما بين بين لقصر مدهما عن مد الألف، فكان انفراد الألف بتخفيف الهمزة بين بين معها بمنزلة انفرادها بالردف، واختصاصها بالتأسيس، وإن ساوتهما في غير هذا. وأما الأصليتان نحو {سَوْءَةَ} [المائدة: 31]، و {كَهَيْئَةِ} [آل عمران: 49]، [والمائدة: 110] والملحقتان نحو "حوأب، وجيئل" فتخفف الهمزة معهما بالحذف، ونقل حركتها إليهما، على قياس الساكن الصحيح، فتقول: سوة، وكهية، وحوب، وحيل. ولم يقع الملحق في القرآن على قراءة حمزة. فهذا حد الهمزة في التخفيف القياسي عند سيبويه، وخالفه أبو الحسن في موضعين: في المضمومة التي قبلها كسرة، وفي المتصل والمنفصل نحو {يَسْتَهْزِئُونَ}، و"من عند أخته" فيبدلها في التخفيف ياء فيقول: "يستهزيون" و"من عند يخته" قال: لأنه ليس من كلام العرب واو ساكنة قبلها كسرة، وإذا كانت كذلك انقلبت ياء، نحو: "ميزان، وميعاد"، فكذلك يجب في الهمزة المقربة أيضا، وفي المكسورة التي قبلها ضمة في المتصل دون المنفصل، نحو {سُئِلَ}، و"بأكمئك" لأن الياء الساكنة المضموم ما قبلها تبدل واوا في نحو "موقن، وموسر" فيجب في الهمزة المقربة من الواو والساكنة أن تبدل واوا مع الضمة. وسيبويه يقول: إنها تخفف بين بين؛ لأنه يستطاع التكلم بها، فبقيت على أصلها من التخفيف بين بين، وإنما احتيج إلى البدل في "جؤن، ومئر" لأن بين بين لا يستطاع التكلم به، وأصلهما من الهمزة يمنعهما من الحمل على الياء والواو في الاعتلال. فإذا كانت الهمزة المكسورة منفصلة من الضمة نحو قولهم: عبد إخوانه، فقد ذكرنا أن أبا الحسن يوافق سيبويه على تخفيفها إلى الياء، إلا أن أبا الحسن يبدلها ياء، وسيبويه يجعلها بين الهمزة والياء، قال: لأن الضمة المنفصلة بعيدة من الهمزة في التقدير، فلم يكن لها تأثير. وأما ما ذكروه مما جرى على شذوذ، فإنه لا يخرج عن أحد ثلاثة أوجه:الأول: حذف الهمزة حذفا استثقالا لها، كما قالوا: ويلمه، ويابا المغيرة، وكما روي عن ابن كثير {لاحدى الكبر} [المدثر: 35]. الثاني: التحويل، وهو قلب الهمزة حرف علة، وتخفيفها بالبدل أبدا. الثالث: ما ذهب إليه الكوفيون من تخفيف المتحركة التي قبلها واو أو ياء للمد بين بين كالألف. فهذه الأصول من حفظها، ووقف عليها لم يخف عليه من أحكام الهمز شيء، إن شاء الله. إجراء المسائل على الأصول: من ذلك: {الْمَوْؤُودَةُ} [التكوير: 8] قال الشذائي: كان ابن مجاهد يذهب إلى الوقف عليه في قراءة حمزة "المَوْدَة" بوزن الموزة، وهو قول الفراء، وقال أبو طاهر بن أبي هاشم: كان حمزة إذا وقف لفظ بعد فتحة الميم بواو ساكنة، ثم أشار إلى الهمزة بصدره، ثم أتى بعدها بواو ساكنة، قال: وهذا ما لا يضبطه الكتاب. قال أبو جعفر: أما ما ذهب إليه ابن مجاهد فهو على حذف الهمزة اعتباطا، كما قالوا: ويلمه، ويابا المغيرة، وكما قرأ الزهري "فلا اثم عليه" فإذا حذفت التقى ساكنان فحذف الثاني فجاء "المودة". وذكر فيه أبو محمد مكي تعليلا آخر، وهو أنه خفف على القياس، فجاء "الموودة" ثم استثقل الضمة على الواو فأزالها، فالتقى ساكنان فحذف. والتوجيه الأول هو الصواب المعول عليه، قاله لي أبي -رضي الله عنه. وعلى هذا ما ذكره الأهوازي أنه قرأ لحمزة "روسكم" بوزن "فعلكم" قال: وهو اختيار ابن مجاهد في قراءة حمزة؛ لأنك إذا طرحتها لم تغير معنى الجمع. وأما قول أبي طاهر فهو على ما يقوله الكوفيون من إجراء الواو والياء مجرى الألف في التخفيف بين بين، إلا أن فيه هنا بعدا؛ لأن الواو هنا لا تشبه الألف؛ لأن حركة ما قبلها ليست منها. وقد تقدم وجهان آخران في تخفيف {الْمَوْؤُودَةُ} وهما النقل والحذف، والإبدال والإدغام، فهذه أربعة أوجه فيها. ومن ذلك "هزؤا"، و"كفؤا" قال الأهوازي في "الإيضاح": وقف حمزة على قوله تعالى: "هُزوًا"، و"كُفْوًا" بإسكان الزاي والفاء، وبواو بعدهما من غير همزة، يقول: "هزوا" و"كفوا". وقال خلاد عن سليم عنه بالإشارة إلى الهمزة فيهما بعد إسكان الفاء، والزاي في الوقف. ووقف حمزة أيضا عليهما برفع الزاي والفاء، وبواو بعدهما من غير همز، قال: ولم يعرف أبو إسحاق ذلك عنه، ووقف عليهما أيضا "كفا"، و"هزا" بفتح الفاء والزاي، وبألف بعدهما من غير همز. قال أبو جعفر: أما الوجه الأول من حكايته فبه يأخذ معظم القراء، وإن كان خارجا عن القياس، لما فيه من موافقة الخط، وقد نص عليه خلف كذلك، ووجهه عندهم أنه سكن الزاي والفاء على وجه التخفيف من المثقل الذي هو "هُزُؤا"، و"كُفُؤا"، كقراءة سائر القراء، إلا أن يكون سكنهما من أول وهلة دون أن يقدر الضم، فإذا كان كذلك كان الساكن في تقدير الضم كما كان الساكن من: لقضو الرجل في تقديره، ولذلك لم يردوا ياء "قضيت" التي أوجب انقلابها واوا الضمة قبلها. فإذا كان الساكن في نية الضم فحكم المفتوحة التي قبلها ضمة أن تبدل واوا نحو {يُؤَيِّدُ} [آل عمران: 13]. قال لي أبي -رضي الله عنه: لا يسوغ تشبيه الهمزة بالواو؛ لأن الواو حرف مد، وحرف المد أحكامه مطردة في القلب والتصحيح، والهمزة حرف صحيح، وإن كان قد يخرج في بعض المواضع إلى حرف العلة، فبابه أولى به، فحكمها مع السكون غير حكمها مع الحركة. وأما الحكاية عن خلاد، فالمراد بها جعل الهمزة بين بين، ولعله مذهب للكوفيين. وقد ذكرها في "مفردة حمزة" بأجلى من عبارته في "الإيضاح" فقال: وهذا نصه خلاد عن سليم عنه، يقف على قوله تعالى: "هزؤا" و"كفؤا" بإسكان الزاي والفاء، وبتليين الهمزة من غير أن يظهر الواو فيهما، وكذلك يقف على قوله تعالى: {جُزْءًا} حيث كان منصوبا. وأملى عليَّ أبي -رضي الله عنه- قال سيبويه: "إنما حذفت الهمزة هنا لأنك لم ترد أن تتم، وأردت إخفاء الصوت، فلم يكن ليلتقي ساكن وحرف هذه قصته، كما لم يكن ليلتقي ساكنان، ألا ترى أن الهمزة إذا كانت مبتدأة محققة في كل لغة فلا تبتدئ بحرف قد أوهنته؛ لأنه بمنزلة الساكن، كما لا يبتدأ بساكن". قال لي أبي -رضي الله عنه: فيمكن أن يكون سيبويه أشار إلى رد هذا القول المحكي عن خلاد، ولعلهم أيضا يجيزون الابتداء بهمزة مقربة من الساكن، كما أجازوا الإدغام في مثل {فَمَا اسْطَاعُوا} [الكهف: 97] ولا شرط فيه من المد يسهل الإدغام. وأما الوجه الثالث الذي ذكر أن أبا إسحاق الطبري لم يعرفه، فقد نسبه في"المفردة" إلى خلف والضبي، وقال فيه مكي: إنه ليس بالمشهور، وقال أبو عمرو: العمل بخلافه، وحكى أن الضبي كان يأخذ به. وقال لي أبي -رضي الله عنه: هو أقرب وأشبه من الأول والثاني؛ لأن الأخذ به جمع بين وفاق الخط ولزوم القياس، ولم يبال بخلاف الرواية. وأما الوجه الرابع، وهو النقل والحذف، فهو وجه القياس، وبه يأخذ أبي -رضي الله عنه- ويوجه خط المصحف على أن الواو كتبت على قراءة من حرك لا على قراءة من سكن؛ لأن كتَّاب المصحف ينزهون عن كتابته على ما لا تقتضيه اللغة، وعلى هذا كثير من المحققين. وذكر الأهوازي في {جُزْءًا} [البقرة: 260]، [والزخرف: 15] الوقف بإسكان الزاي وبواو بعدها من غير همز، كالوجه الأول في {هُزُوًا}، و {كُفُوًا} وهذا في {جُزْءًا} غلط؛ لأنه خلاف الخط والقياس جميعا. ومن ذلك: {مَوْئِلًا} [الكهف: 58] ذكروا فيه خمسة أوجه:الأول: "مَوِلًا" بالنقل والحذف على موجب القياس. الثاني: "مَوِّلَا" بالإبدال والإدغام، وقد تقدم القول في مثله. الثالث: "مَوْلًا" بإبدال الهمزة ياء، وهذا قد قدمت أن سيبويه حكاه، ووجهه أنهم حذفوا الهمزة على تقدير أن حركة الهمزة حركة لما قبلها، وسكن ما قبلها سكون لها، فكأنه إذا قيل: "مَوْيِلًا" خفف من {مَوْئِلًا} كما قال:فأبدل الواو المضموم ما قبلها همزة، كما يبدلها في "أجوه" و {أُقِّتَتْ} [المرسلات: 11]. ومثل {مَوْئِلًا} قوله: اللواتي لا تزير. ومن أخذ بهذا الوجه وقف على {النَّشْأَةَ}، و {شَطْأَهُ} بألف ساكنة مثل "الكماة، والمراة" وإليه يميل القراء لموافقته الخط، وهو حسن. ومن آثر القياس نقل الحركة، وحذف الهمزة فقال: "النشه، وشطه" واعتل لوقوعه في الخط بألف بأنه على لغة أهل التحقيق، أو على مراعاة قراءة من قرأ "النشاءَة، وشطَأه" ويمكن أن يكونوا كتبوا: {النَّشْأَةَ}، و {شَطْأَهُ} بألف، و {مَوْئِلًا} بالياء رعاية لحال تخفيفها بالبدل، وبالوجهين يأخذ أبي -رضي الله عنه- في هذه الكلم الثلاث، أعني: وجه القياس والبدل. والرابع: {مَوْئِلًا} بين بين، ذكره أبو عمرو عن أبي العباس بن واصل عن خلف، والقول فيه كالقول في {الْمَوْؤُودَةُ} فيمن أخذ فيه بهذا الوجه، وقد ذكرته. الخامس: ذكر الأهوازي أنه رأى من يجيز {مَوْيِلًا} بياء مكسورة من غير همز، وذكره أيضا مكي وأبو عمرو، ورجحه أبو عمرو على الوجه الذي قبله، قال: لأنه أوفق للرسم، وأوجه للشذوذ، ولم يبين واحد من الثلاثة وجهه. قال لي أبي -رضي الله عنه: الذي يتجه في "هُزُؤًا" و {مَوْئِلًا} وما كان مثله أن من العرب من يخفف الهمزة البدل أبدا، ولا يلتفت إلى غيره من بين بين، والحذف، فيقول في "قرأ": قرا، وفي "قرأت": قرات، وفي "يقرأ": يقرا، ولا يدخلها في باب المد واللين إلا في مقدار البدل دون سائر التصريف، فإذا التزم البدل فقياسه أن يطرده فيقول في "هزْوًا": هزْوًا وفي {مَوْئِلًا} : مويلا، ويكون قياس من قال: "الكماة، والمراة" عند هؤلاء أنه خفف بالبدل، وحرك لالتقاء الساكنين. ومن ذلك: {رَؤُوفٌ} أخبرني أبو محمد بن عتاب، عن أبي محمد مكي، عن أبي الطيب، عن أبي سهل أنه حكى في {رَؤُوفٌ} أن حمزة يقف عليه بسكون الواو. قال أبو محمد: "وتقدير سكون الواو في هذا أنه سهلها على البدل، فأبدل منها واوا مضمومة، ثم حذف الضمة استثقالا، فبقيت "رَوْف" مثل "طَوْف". قال أبو جعفر: ويكون هذا أيضا على حذف الهمزة. ومن ذلك: "تفتأ، ويعبأ، ويتفيأ، ويدرءوا، ويبدءوا، ويتبوأ، وينبأ" و {الْمَلَأُ} الأول من [المؤمنون: 24]، والثلاثة المواضع من [النمل: 29، 32، 38]. وما أشبه ذلك، مما رسم بالواو من الهمز المتطرف. ذكر الأهوازي أنه قرأ ذلك على أبي إسحاق الطبري بإبدال الهمزة ألفا على القياس، وذكر في "مفردة حمزة" أنها رواية خلاد والدوري وابن سعدان عن سليم عن حمزة، قال عنهم: بألف ساكنة من غير همز، ولا إشارة إلى الإعراب. وهذا هو اختيار أبي -رضي الله عنه. وذكر أبو عمرو أنه اختيار طاهر بن غلبون، وذهب قوم إلى الأخذ في ذلك ببين بين مع الروم، فيوافق القياس والخط، وقد رددنا قولهم قبل، وبينا أن الإشارة لا تجوز. وذهب الأكثر من القراء إلى إبدال الهمزة واوا في ذلك اتباعا لخط المصحف. وذكر الأهوازي أنه به قرأ على شيوخه حاشا الطبري. وذكر أبو عمرو أنه اختيار شيخه أبي الفتح، قال: وهو اختياري؛ لأن ابن الجهم رواه عن خلف كذلك، وأيضا فإن أبا هشام وخلفا رويا عن سليم عن حمزة أنه كان يتبع في الوقف على الهمز خط المصحف. قال أبو جعفر: كتبهم في المصحف {الْمَلَأُ} ونحوه بالواو يحتمل أن يكون على رعاية حكم التخفيف في الوصل، ويحتمل أن يكون على ما حكى سيبويه أن من العرب من يبدل الهمزة واوا في الرفع؛ لأن ذلك أبين من الهمزة فيقول: هو الكلو، وياء في الجر، وألفا في النصب، فيقول: من الكلى ورعيت الكلا، قال: "وهذا وقف الذين يحققون الهمزة" وعلى هذه اللغة يتوجه الوقف عليه بالواو، وهو وإن كان على وفق الخط ففيه خلاف لعقد مذهب حمزة؛ لأنه يأخذ في الوقف بمذهب من يخفف في الوصل، ولعله أراد التصرف في وقفه بالجمع بين مذهب من حقق ومن خفف، وذكر الأهوازي أنه قرأ في الفصل كله بإبدال الهمزة واوا أبدا، وإن كانت صورتها في الخط ألفا، وهذا لا يؤخذ به. ومن ذلك: {يَسْتَهْزِئُونَ} وبابه. قال الأهوازي: فإن كان بعد الهمزة واو قبلها ضمة، مثل قوله تعالى: {يَسْتَهْزِئُونَ}، و"خاطئون"، و {فَمَالِئُونَ}، و {يَتَّكِئُونَ}، و {الْمُنْشِئُونَ}، و {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ} ونحو ذلك كان له في الوقف عليها ثلاثة مذاهب: تليين الهمزة، وتكون بين الواو والهمزة بأدنى مد، وهو نص رواية خلف عن سليم عنه، والأكثر عليه عنه. ويقف أيضا عليها بترك الهمزة من غير عوض، ويرفع الحرف الذي قبلها فيقول: "خاطُون، وفمالُون، ويتكُون" ونحو ذلك، وهو نص رواية أبي هشام عن سليم عنه. حدثنا بذلك أبو أحمد قال: حدثنا أبو جعفر قال: حدثنا أبو هشام ذلك. ويقف عليها أيضا بترك الهمزة، وبإبدال ياء مضمومة منها، وهو نص رواية ابن أبي حماد عنه، وهو أضعفها. قال أبو جعفر: الأول مذهب سيبويه وهو القياس، والثاني مذهب الكسائي، والثالث مذهب أبي الحسن الأخفش. ومن ذلك: ما ذكر الأهوازي أنه قرأ به لحمزة على شيوخه إلا أبا إسحاق الطبري، ومن جعل المفتوحة المكسور ما قبلها بين بين، وهذا كما حكى عن أبي عمرو أنه يجعل المفتوحة المضموم ما قبلها بين بين، وقد تقدم ذلك. ومن ذلك: {مِن نَّبَأِ الْمُرْسَلِينَ} [الأنعام: 43] : ذكر أبو عمرو أن من أخذ له في {تَفْتَأُ} بالإبدال واوا أبدل في "نبأ" الألف ياء. قال أبو جعفر: الوجه الأخذ فيه بالبدل ألفا على موجب التخفيف، فأما وقوعه في المصحف بألف وياء فعلى أنه أثبت للهمزة صورتان، فالألف صورتها على التحقيق، والياء صورتها على التخفيف، ليستفاد بذلك معرفة جواز القراءة بهما. وهكذا القول في "يأتيكم، ويأتيك" وكذلك: {نَبَأُ الَّذِينَ} الألف صورة التحقيق، والواو صورة التخفيف. ومن ذلك: {يَؤُوسًا} [الإسراء: 83] ذكر أبو محمد مكي أن ابن مجاهد روى عن محمد بن الجهم أن حمزة يقف بإسكان الواو، وهذا أيضا على حذف الهمزة، والحذف لالتقاء الساكنين، وعند أبي محمد على تقدير البدل، ثم حذف الواو الثانية لالتقاء الساكنين. وهذه مسائل ابن شريح: قال لي أبو الحسن بن شريح: إن سأل سائل عن الواقف على قوله تعالى: {إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا} [الأنعام: 71] ففيه جوابان على ما تقدم: أحدهما التحقيق؛ لأن الهمزة في تقدير الابتداء، والآخر: التسهيل بالبدل، لما ذكرناه من مضارعتها المتوسطة، فالألف الملفوظ بها بعد الدال هي المبدلة من الهمزة. وقوم يذهبون إلى أنها لام الفعل من {الْهُدَى} وتلزم على قولهم الإمالة على أصل حمزة في الألف المنقلبة عن الياء. وبالأول أقول، ولا أعول على سواه؛ لأن التي هي لام الفعل قد انحذفت مع الهمزة، وهذه الألف عوض منها. وأيضا فإنما تسهل الهمزة بعد ذهاب تلك الألف معها. قال: فإن سأل سائل عن الوقف على قوله تعالى: {اطْمَأَنَّ} [الحج: 11] ففيه جوابان على ما تقدم:أحدهما، وهو الوجه القياسي: أن تجعل الهمزة بين الهمزة والألف، والآخر: البدل على ما ذكر أنه مروي ومسموع، فيمد للمشدد بعد، ومثله في الحكم {اشْمَأَزَّتْ} [الزمر: 45]. - قال: فإن سأل سائل عن الوقف على قوله تعالى: {رَأَى}. ففيه أيضا جوابان: بين بين، والبدل، ويلزم مع البدل الحذف لالتقاء الساكنين فيبقى: راى، وقد روى ذلك خلف عن حمزة في {رَأَى الْقَمَرَ} [الأنعام: 77] ونحوه، أنه كان يترك الهمز ولا يمد وهذا على الحذف، فإن قدرت أن الألف المحذوفة هي المبدلة من الهمزة؛ لأن أكثر الاعتلال في التقاء الساكنين للأول أملتالألف التي هي لام الفعل وما قبلها، وإن قدرت أن المحذوفة التي هي لام الفعل، لئلا يجتمع اعتلالان على حرف، أملت أيضا؛ لأن الرواية أتت عن حمزة بإمالة الراء والهمزة، فالألف بدل من الهمزة الممالة الفتحة إلى الكسرة، فينبغي أن تكون الألف المعوضة منها ممالة إلى الياء، وأيضا فإنه لا بد أن يميل الألف للنحو بفتحة الراء نحو الكسرة، والألف غير الممالة لا يكون قبلها إلا فتحة خالصة. فإن قيل: فلم لم تذهب إمالة الراء والمبدل من الهمزة لذهاب موجب الإمالة، وهو الألف المنقلبة عن الياء؟ فالجواب أنه قد أبقى في الوصل إمالة الراء إذا سقطت الألف المنقلبة عن الياء لالتقاء الساكنين للدلالة على الأصل، ولأنه لم يعتد بالعارض، فها هي هنا أيضا قد سقطت لتسهيل عارض في وقف مثله، فإمالة الراء باقية كما كانت هناك، ولا بد من رجوع الألف على حكمها لما ذكرنا من العلة، كما أنك أيضا إذا قصدت إمالة الألف لم يكن بد من إمالة الفتحة. - قال: ومثل {رَأَى} في جميع الأحوال {نَأَى} [الإسراء: 83]، [وفصلت: 51] على قراءة خلف، وأما على قراءة خلاد فهي مشغبة، إذا أخذت فهي بوجه البدل؛ لأنه يفتح النون، ويميل ما بعدها، فإن قدرت أن الأولى هي المحذوفة صرت في حرج من طريق الرواية، وذلك أنك إن وفيت الألف المنقلبة عن الياء ما روى فيها، وهي الإمالة، أملت معها النون مضطرا، والمروي فتحها، وإذا وفيت النون ما روى فيها من فتحها فتحت الألف مضطرا، والمروي إمالتها، وبين المذهبين من الفتح والإمالة مع مخالفتهما الرواية ترجيح أضربت عن ذكره، إذ الأخذ بين بين اختياري، وإن قدرت أن المنقلبة عن الياء هي المحذوفة لم تمل، فاعلمه. قال أبو جعفر: والأخذ ببين بين في هذا كله أولى، وكذلك الأحسن في {رَأَيْتَ} الأخذ ببين بين، وهو الوجه البين، فإن أخذت بالبدل لزمك الحذف على ما روي في {رَأَى الْقَمَرَ} فتقول: ريت، وهو نحو قراءة الكسائي في {أريتَكُمْ} [الأنعام: 40-47] يجوز عندي أن يكون محمولا على البدل والحذف، وقد قيل: إنه حذف الهمزة حذفا من غير تقدير بدل، كما كان في ذلك في: "ويلمه". الألف التي هي لام الفعل وما قبلها، وإن قدرت أن المحذوفة التي هي لام الفعل، لئلا يجتمع اعتلالان على حرف، أملت أيضا؛ لأن الرواية أتت عن حمزة بإمالة الراء والهمزة، فالألف بدل من الهمزة الممالة الفتحة إلى الكسرة، فينبغي أن تكون الألف المعوضة منها ممالة إلى الياء، وأيضا فإنه لا بد أن يميل الألف للنحو بفتحة الراء نحو الكسرة، والألف غير الممالة لا يكون قبلها إلا فتحة خالصة. فإن قيل: فلم لم تذهب إمالة الراء والمبدل من الهمزة لذهاب موجب الإمالة، وهو الألف المنقلبة عن الياء؟ فالجواب أنه قد أبقى في الوصل إمالة الراء إذا سقطت الألف المنقلبة عن الياء لالتقاء الساكنين للدلالة على الأصل، ولأنه لم يعتد بالعارض، فها هي هنا أيضا قد سقطت لتسهيل عارض في وقف مثله، فإمالة الراء باقية كما كانت هناك، ولا بد من رجوع الألف على حكمها لما ذكرنا من العلة، كما أنك أيضا إذا قصدت إمالة الألف لم يكن بد من إمالة الفتحة. - قال: ومثل {رَأَى} في جميع الأحوال {نَأَى} [الإسراء: 83]، [وفصلت: 51] على قراءة خلف، وأما على قراءة خلاد فهي مشغبة، إذا أخذت فهي بوجه البدل؛ لأنه يفتح النون، ويميل ما بعدها، فإن قدرت أن الأولى هي المحذوفة صرت في حرج من طريق الرواية، وذلك أنك إن وفيت الألف المنقلبة عن الياء ما روى فيها، وهي الإمالة، أملت معها النون مضطرا، والمروي فتحها، وإذا وفيت النون ما روى فيها من فتحها فتحت الألف مضطرا، والمروي إمالتها، وبين المذهبين من الفتح والإمالة مع مخالفتهما الرواية ترجيح أضربت عن ذكره، إذ الأخذ بين بين اختياري، وإن قدرت أن المنقلبة عن الياء هي المحذوفة لم تمل، فاعلمه. قال أبو جعفر: والأخذ ببين بين في هذا كله أولى، وكذلك الأحسن في {رَأَيْتَ} الأخذ ببين بين، وهو الوجه البين، فإن أخذت بالبدل لزمك الحذف على ما روي في {رَأَى الْقَمَرَ} فتقول: ريت، وهو نحو قراءة الكسائي في {أريتَكُمْ} [الأنعام: 40-47] يجوز عندي أن يكون محمولا على البدل والحذف، وقد قيل: إنه حذف الهمزة حذفا من غير تقدير بدل، كما كان في ذلك في: "ويلمه". ومن أجاز الجمع بين ساكنين الأول منهما حرف مد ولين، والثاني غير مشدد، وممن أجازه يونس والكوفيون، وذكر أنه مسموع قال مع البدل: أرايت فمد ولم يحذف، وقد قرئ {محيايْ} [الأنعام: 162] بسكون الياء و {أَأَنْذَرْتَهُمْ} [البقرة: 6]، [ويس: 10] بالبدل، ووجه الحذف وإن ضعف أقيس. - قال: فإن سأل سائل عن الوقف على قوله تعالى: {لَأَمْلَأَنّ}. ففيه ستة أجوبة على ما تقدم، أحسنها أن تجعل كل واحدة من الهمزتين بين بين، ثم يليه أن تحقق الأولى لأنها أول كلمة، وتجعل الثانية بين بين، هذان الوجهان جيدان، ويليهما أن تأخذ في الثانية بالبدل فتمد، والأولى بين بين. ووجه المخالفة بينهما الإشعار بجواز الوجهين، وخصصت الثانية بالبدل؛ لأنك لو أخذت في الأولى بالبدل للزمك الحذف، ثم أن تحقق الأولى وتبدل الثانية فتمد، فإن آثرت وجه البدل في الأولى، وهو ضعيف، لما يلزم من الحذف، ولأن البدل ليس بالقياس، وإن لم يلزم حذفت وسهلت الثانية بين بين، وهو وجه خامس. وقد ذكرت أن وجه المخالفة بينهما الإشعار بجواز الوجهين، فإن أخذت بالبدل فيهما حذفت الأولى، ومددت الثانية، وهو الوجه السادس. - قال: فإن سأل سائل عن الوقف على قوله تعالى: {تَرَاءَى الْجَمْعَانِ} [الشعراء: 61]. ففيه جواب واحد على ما تقدم، وهو أن تجعل الهمزة بين بين ممالة، ليوصل بإمالتها إلى إمالة الألف المنقلبة عن الياء بعدها، وإمالة الألف قبلها والراء إتباعا لما بعدها. - قال: فإن سأل سائل عن الوقف على قوله تعالى: {سَنُقْرِئُكَ} [الأعلى: 6] ففيه ثلاثة أجوبة، وهي المتقدمة في {مُسْتَهْزِئُونَ} [البقرة: 14] غير أن الموافق منها للخط في {مُسْتَهْزِئُونَ} مذهب سيبويه، وهو أن تجعل بين الهمزة والواو، وهو في {سَنُقْرِئُكَ} مخالف؛ لأنها كتبت بياء، واتباع الخط رواية عنه فيحسن ها هنا مذهب غيره، وقد ذكر في هذا ونحوه مما الهمزة فيه لام الفعل رفض الهمزة، وهو وجه رابع مسموع ليس بقياسي، يقول بعض العرب: قريت، واستقريت، واستهزيت، فتقول على هذا "سنقريك" بياء ساكنة قبلها كسرة، كما تقول: سنعطيك، و"مستهزون" بواو ساكنة قبلها ضمة، كما تقول: مستعلون، وشبه ذلك مما لا أصل له في الهمزة، وهو موافق للخط، ويقول مقدر الهمز: قرات، واستهزات، ويأتي التسهيل على هذا في "سنقريك، ومستهزون" على الأوجه الثلاثة المتقدم ذكرها. - قال: فإن سأل سائل عن الوقف على قوله تعالى: {بُرَآءُ} [الممتحنة: 4] ففيه أربعة أجوبة، أحسنها أن تجعل الأولى بين الهمزة والألف، وأن تبدل الثانية ألفا مع إشباع المد، ويليه أن تجعل الأولى بين الهمزة والألف، والثانية بين الهمزة والواو مع الروم، ثم لك أن تبدل الأولى وتجعل الثانية بين بين مع الروم. ويلزم حذف إحدى الألفين إذا أخذت في الأولى بالبدل، المبدلة من الهمزة أو التي بعدها، وأيهما حذفت كنت مخيرا في تطويل المد وتركه كما تقدم في باب المد، وإن أخذت فيها بالبدل مع سكون المتطرفة، وهذا وجه ضعيف لما يلزم من الحذف، وذلك أنه تجتمع ثلاث ألفات، فلا تبقى منها إلا واحدة، قلت: "بُرَا" فإن قدرت أن الألف الثانية هي الهمزة الأخيرة لم تمد، إنما تأتي بلفظ الألف من غير تطويل، وإن قدرتها ألف الجمع مددت إن شئت على الاختلاف الذي قدمنا في باب المد، وكذلك إن قدرتها التي هي لام الفعل؛ لأنك تقدر سقوط ألف الجمع معها قبل سقوط المتطرفة. - قال: فإن سأل سائل عن الوقف على قوله تعالى: {رِئَاءَ}. ففيه جواب واحد، وهو أن تبدل الأولى ياء محضة مثل: ماية، وتبدل الثانية ألفا فتحذف كفعلك في "جاء" وقد تقدم القول في المد، فأغنى عن إعادته. - قال: فإن سأل سائل عن الوقف على قوله تعالى: {فَأُولَئِكَ} فالثانية تجعل بين الهمزة والياء كفعلك في: قائم، وفي الأولى جوابان، التحقيق لأنها أول الكلمة، والتسهيل بين بين كفعلك في: {رَؤُوفٌ}. وقد بينت لك هذا الباب بما أمكنني، فتفهمه، وبالله التوفيق. .باب المد: المد يختص بحروف المد واللين، وهي الألف، والياء المكسور ما قبلها، والواو المضموم ما قبلها. والمد فيهن على قسمين: متفق عليه، ومختلف فيه..شرح الأول: [ وهو المتفق عليه من المد]: اتفقوا على تمكين المد في حروف المد واللين إذا أتى بعدها همزة في كلمة، بأي الحركات تحركت، وكانت الهمزة متطرفة أو متوسطة، أو ساكن في كلمة، مشددا أو غير مشدد، نحو: {جَاءَ}، و {شَاءَ}، و {الْمَلائِكَةُ}، و {أُولَئِكَ}، و {هَاؤُمُ} [الحاقة: 19]، و {الضَّالِّينَ}، و {الصَّاخَّةُ} [عبس: 33]، و"خبير، ويعملون" في الوقف، وفواتح السور ما اعترض فيه منها التقاء ساكنين، و {مَحْيَايَ} [الأنعام: 162] في الوقف والوصل في قراءة من سكن الياء فيه. لا خلاف في تمكين المد في حرف المد في هذين الضربين، زيادة على ما فيه من المد الذي لا يوصل إليه إلا به. وقد جاء عن حمزة أنه رتب المد عند الهمزة ثلاث مرتبات. حدثنا أبو القاسم خلف بن إبراهيم شيخنا -رحمه الله- قراءة عليه وأنا أسمع، حدثنا الحسن بن سعيد بجور بفارس، قال: حدثنا محمد بن مخلد الأنصاري عن خلف بن هشام قال: سمعت سليما يقول: قال حمزة: أطول المد عند الهمزة ما كان بالفتح مثل: {تِلْقَاءَ أَصْحَابِ} [الأعراف: 47]، و {جَاءَ أَحَدَهُمُ} [المؤمنون: 99] ونحوهما، ومثله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} بالفتح، وقال: هو في موضع ألفين. قال: والمد الذي دون ذلك {إِلَّا خَائِفِينَ} [البقرة: 114]، و {الْمَلائِكَةِ}،و {إِسْرائيلَ} ونحو ذلك. وأقصر المد {أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ} لا يمد مثل "خائفين، والملائكة" ونحوه. قال أبو جعفر: وهذه الحكاية غير مفهومة، وقد أنكر أبو بكر الشذائي قوله: في موضع ألفين، وقال: لا معنى له. قال الخزاعي: وقال العبسي عنه: المد كله سواء، قال: وقال البزار عن خلاد عن سليم: كل المد عند حمزة سواء، يمد بين المد والقصر في كل القرآن، وهو اختيار ابن مجاهد، وبه قرأت من طريقه. قال أبو جعفر: وهو الذي قرأت أنا به، فإن كانت الهمزة طرفا نحو "السماء، وماء، والسراء، والضراء" ونحوه، ووقفت عليها فعندي أنه يكون المد أطول؛ لأنه قد اجتمع فيه ما افترق في {جَاءَ}، و {الضَّالِّينَ} فإن خففت هذه الهمزة على مذهب حمزة وهشام احتُمل المد وتركه، وقد أحكمت ذلك قبل. وما مُد لساكن بعده أحق وأولى بتمكين المد مما مُد لهمزة بعده؛ لأن المد للهمزة إنما هو على التشبيه بما مُد للساكن، والمد لالتقاء الساكنين لا بد منه، ألا ترى أنه لا يجتمع في الوصل ساكنان في كلامهم، وأنه لا بد من تحريك أو حذف، وهذا المد في {الضَّالِّينَ} وبابه عوض من الحركة، فيصير الساكن لأجل المد بمنزلة ما كان الحرف الذي قبله متحركا، ألا تراهم في المنفصل فروا إلى الحذف نحو: {قَالُوا اطَّيَّرْنَا} [النمل: 47]، و {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ} [المائدة: 54] و {وَأُولُو الْعِلْمِ}، و {قَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ} [النمل: 15] ونحوه إلا {عنهو تلهى} [عبس: 15] للبزي، وقد ذكرناه..شرح الثاني: وهو المختلف فيه من المد: اختلفوا في المنفصل، وهو أن يكون حرف المد آخر كلمة، والهمزة أول كلمة أخرى، نحو قوله تعالى: {بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} [البقرة: 4]، و {فِي أَنْفُسَكُمْ}، و {يَا أَيُّهَا النَّاسُ}، و {هَؤُلاءِ} وشبهه. فكان ابن كثير وأبو عمرو وقالون يقصرون حرف المد فلا يزيدونه تمكينا على ما فيه من المد الذي لا يوصل إليه إلا به. واختلف عن كل واحد منهم، فقال الأهوازي: المد مذهب ابن مجاهد وابن شنبوذ وابن المنادي، وقراءة البغداديين واختيارهم في قراءة أبي عمرو وغيره. والقصر مذهب ابن حرب المعدل ومردويه والحريري والمعدل والعطار، وقراءة البصريين واختيارهم في قراءة أبي عمرو وغيره. قال: وحدثنا أبو عبد الله -يعني اللالكائي- عن أحمد بن نصر، عن أبي بكر بن مجاهد قال: أخذت عمن أخذ عن أصحاب اليزيدي عن أبي عمرو مد حرف لحرف. قال: وقرأت على أبي عبد الله في ختمة الإدغام لأبي عمرو بمد حرف لحرف، نحو مد الكسائي. قال: وقرأت على ابن باذين، عن أبي عبد الله الحسين بن شيرك، عن أبي حمدون، عن اليزيدي، عن أبي عمرو بمد حرف لحرف. قال ابن باذين: قلت لابن شيرك: لِمَ لَمْ تقرأ على مردويه؟ فقال: كان لا يمد حرفا لحرف لأبي عمرو. وقال أبو جعفر: وذكر أبو الحسن السعيدي عن أبي بكر بن الإمام أنه كان لا يمدلأبي عمرو مدا تاما. والذي قرأت به على أبي-رضي الله عنه- وسائر شيوخنا المد من طريق الدوري، والاعتبار من طريق أبي شعيب، إلا ابن شريح فإني قرأت عليه لهما بالمد. وذكر الأهوازي عن أبي الحسن الخاشع، عن جماعة من أصحاب قنبل، منهم ابن الصباح، وابن بقرة، وابن عبد الرزاق، عن قنبل، وعن ابن الحباب عن البزي مد حرف لحرف، قال: كمد الكسائي سواء. وبذلك قرأت على أبي القاسم -رحمه الله- من هذين الطريقين عن قنبل، وعن البزي. وذكر أبو الفضل الخزاعي عن أبي ربيعة عن قنبل مد {لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} حيث وقع، قال: ممدود مهموز، قال الخزاعي: وقياس روايته عن البزي يوجب المد، والله أعلم. قال أبو جعفر: والذي قرأت به لابن كثير على شيوخنا الاعتبار إلا ما ذكرت مما قرأت به على أبي القاسم، وأنا أستحسن حكاية الخزاعي في مد {لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} وآخذ به للجميع ممن اعتبر. وأما قالون فذكر أبو محمد مكي لأبي نشيط المد، وذكر عثمان بن سعيد عنه الوجهين، وروى أبو أحمد الفرضي عن ابن بويان لأبي نشيط الاعتبار، وهو الذي ذكر الخزاعي والأهوازي لقالون من طرق أبي نشيط كلها، ومن جميع الطرق عنه إلا أبا سليمان وحده عن قالون. وقرأت على أبي القاسم لهشام باعتبار المد، وقرأت على أبي -رضي الله عنه- وعلى ابن شريح بالمد. وقد ذكر الأهوازي عن الحلواني والهاشمي عن القواس عن ابن كثير: البتر في جميع ما كان من كلمتين، قال: وهو حذف الألف والياء والواو من سائرهن، قال:إلا أن الحلواني عن القواس أثبت الألف، ومدها مدا وسطا في ثلاث كلمات لا غير، قوله تعالى: {يَا آدَمُ} حيث وقع، و {يَا أُخْتَ هَارُونَ} [مريم: 28]، و {يَا أَيُّهَا} حيث كان، وباقي الباب بالبتر. فحدثني أبو داود عن أبي عمرو قال: "هذا مكروه قبيح، لا يُعمل عليه ولا يُؤخذ به، إذ هو لحن لا يجوز بوجه، ولا تجوز القراءة به، ولعلهم أرادوا حذف الزيادة لحرف المد وإسقاطها، فعبروا عن ذلك بحذف حرف المد وإسقاطه مجازا". وقال لي أبي -رضي الله عنه: يعني بالبتر حذف المد الذي تجلبه الهمزة، وليس يعني المد الذي كان في الألف قبل مجيء الهمزة؛ لأن ذلك لا يبتر من قبل الهمزة إنما توجب الزيادة في المد، ولا تجلب نقضه ولا إزالته. وكنت حين قرأت بهذا الطريق على أبي القاسم -رحمه الله- مرة أبتر المد جدا على حسب الظاهر من الرواية، ومرة آتي بأقصر التمكين غير مبتور. ولا خلاف في تمكين حروف المد واللين وإن لم يلقهن شيء مما ذكرنا، تمكينا وسطا من غير إشباع ولا زيادة نحو "قال، وقولوا، وقيل، وتاب، ويتوب" وشبهه، وإن سمى هذا مقصورا فعلى معنى أنه قصر عن المد المشبع؛ لأنه لا مد فيه البتة، وأمكنهن في المد الألف ثم الياء ثم الواو. وكان أبو القاسم يحكي لنا عن أبي بكر الصقلي أنه كان يذهب إلى أن أمكنهن في المد الواو ثم الياء ثم الألف، وهكذا وضع هذا أبو بكر في كتابه المعروف بـ "الاقتداء". وقال ابن عبد الوهاب، فيما أخبرني عنه أبو الحسن بن كرز: أجمعوا على مد {يَا آدَمُ}، و {يَا أُخْت}، وأشكاله، أجروها مجرى ما هو من كلمة للزومها ما بعدها. قال: ويلزم مثل ذلك في: {هَؤُلاءِ} ثم فرق بين "ما" و"يا" بتعليل ذكره. والذي عليه شيوخنا أنه لا فرق بين {يَا آدَمُ} وبين {بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ}. وقرأ الباقون بزيادة المد من غير اختلاف عنهم في ذلك حيث وقع. والذين يقصرون المد في هذا المختلف فيه هم أقصر مدا في المتفق عليه، نص على ذلك الأهوازي وأبو عمرو، وهذا مما ذاكرت به أبا الحسن بن شفيع -رحمه الله- وسألته عنه، فأخبرني بمثل ما ذكرا. وإنما جرى القراء في المد على طريقة العرب في إدغام المتحرك، فالعرب اجتمعت على الإدغام فيما كان من كلمة نحو "قد، ومد، واحمر" ولم تجتمع في المنفصل نحو {جَعَلَ لَكَ} [الفرقان: 10] وإن كان الإدغام أحسن، قال سيبويه: "والبيان عربي جيد حجازي؛ لأن الحرف المنفصل لا يلزمه أن يكون بعده الذي هو مثله سواء". وتعليل القراء المد مع الهمزة من كلمة ومن كلمتين كتعليل سيبويه في الإدغام، فتأمله. وأطول القراء مدا في الضربين ورش وحمزة، ومدهما متقارب. وحدثني أبو القاسم عن أبي معشر قال: وحمزة أطولهما مدا، وقال الأهوازي: مد ورش أطول من مد حمزة، قال: وقال ابن شنبوذ عنه: مثل مد حمزة أو أطول. ويليهما عاصم؛ لأنه كان صاحب مد وقطع وقراءة شديدة، وبذلك وصفه شريك بن عبد الله القاضي، فيما حدثني علي بن أحمد بن كرز المقرئ، قراءة مني عليه، حدثنا ابن عبد الوهاب، حدثني الأهوازي شيخنا، حدثنا أبو إسحاق الطبري، حدثنا أبو بكر الولي، حدثنا أبو علي الصواف، حدثنا أبو حمدون عن شريك أنه قال ذلك. ويليه ابن عامر والكسائي، على أن الأهوازي قد أسند عن ابن ذكوان حكاية في التجويد استقرأ منها أن مده كمد عاصم، ثم حكى في كتاب "الإيضاح" عن أبي عبد الله اللالكائي بإسناده إلى الأخفش عن ابن ذكوان أن مد ابن عامر كمد عاصم، قال: وما سمعت هذا من غير هذا الطريق، ووجدت أهل الشام ما يعرفون ذلك. قال أبو جعفر: وعلى ما قرأت به للحلواني عن هشام من غير طريق ابن عبدان من ترك مد حرف لحرف يكون مد ابن عامر دون مد الكسائي. ويليهما أبو عمرو من طريق ابن مجاهد والبغداديين عن أبي عمرو، وقالون من طريق أبي نشيط من غير رواية الفرضي. حدثنا أبو داود، حدثنا أبو عمرو قال: "وهذا كله على التقريب من غير إفراط، وإنما هو على مقدار مذاهبهم في التحقيق والحدر". وحدثني أبي -رضي الله عنه- عن أبي علي الحضرمي، عن ابن عبد الوهاب، عن الأهوازي قال: ويتفاضل ذلك على قدر اختلافهم في الحدر والتحقيق. وحدثنا أبو القاسم، حدثنا أبو معشر، حدثنا الحسين بن علي، حدثنا الخزاعي قال: وقال سليم: سمعت حمزة يقول: إنما أزيد على الغلام في المد ليأتي بالمعنى. وهذا مذهب لورش في المد انفرد به: روى المصريون عن ورش في المد أصلين تفرد بهما، ولم يتابعه أحد من القراء عليهما: أولهما: مد حرف المد واللين إذا تقدمته الهمزة في أول كلمة، أو وسطها، محققه كانت، أو ملقى حركتها على ساكن قبلها، أو مبدلة، في اسم كانت أو فعل أو حرف نحو "آمن، وآدم، ومن أوتي"، و {أُورِثُوا} [الشورى: 14]، و {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ، إِيلافِهِمْ} [قريش: 1، 2]، و {جَاءُوكُمْ}، و {يَسْتَهْزِئُونَ}، و {هَؤُلاءِ آلِهَةً} [الأنبياء: 99]، و {إِي وَرَبِّي} [يونس: 53] وشبهه، فكانوا يأخذون له بزيادة المد في ذلك. هكذا نصوص المتقدمين منهم، وكذلك قال ابن شنبوذ وغيره من الأئمة عنهم، واستثنوا من ذلك إذا كان ما قبل الهمزة حرفا ساكنا صحيحا نحو "القرآن، والظمآن، ومسئولا، ومذءوما" وشبهه. فإن كان الساكن معتلا، فذكر عثمان بن سعيد أن أهل الأداء اختلفوا؛ فمنهم من مد، ومنهم من قصر، ونحو ذلك: "النبيئين، وسوآتهما، والموءودة" أعني واو مفعول ونحو ذلك. قال: وكان شيخانا أبو القاسم وأبو الفتح لا يعيبان التمكين في ذلك إلا {إِسْرائيلَ} فلا خلاف أنه مقصور. وذكر الأهوازي عن ورش في {إِسْرائيلَ} المد، وهو مذهب أبي محمد مكي؛ لأنه لم يستثنه. ونص عليه النحاس {إِسْرائيلَ} بغير ياء، وبه كان يأخذ ابن أبي شنبوذ من طريقه، وليس يؤخذ بهذا، ولكن من أجله، والله أعلم، أخذ فيه من أخذ بترك الزيادة في المد. واستثنى بعضهم من ذلك أيضا ما الهمزة فيه مجتلبة للابتداء نحو {اؤْتُمِنَ}، و {ائْتِ بِقُرْآنٍ}، و {ائْذَنْ لِي} وشبهه، فلم يمد. وذكر أبو محمد مكي أن منهم من يمد ويعامل اللفظ، قال: وترك المد أقيس، ولم يذكر أبو عمرو سوى ترك المد. واستثنى جميعهم الألف المبدلة من التنوين، نحو "ماء، وغثاء"، و {جُفَاءً} [الرعد: 17] لأن الألف عارضة في الوقف، وقياس مد {اؤْتُمِنَ} في الابتداء أن يمد {جُفَاءً} في الوقف. وأما {يُؤَاخِذُكُمْ}، و {الْآنَ} في الموضعين [يونس: 51، 91] و {عَادًا الْأُولَى} في [النجم: 50] فقد ذكر القراء أنه خالف أصله فيهن فلم يمد. قال مكي: وليس هو مخالفة للأصل؛ لأن ما منعته عن أن يجري على أصله فليس بمخالفة للأصل. وذكر في {يُؤَاخِذُكُمْ} أنه على قراءة من خفف الفاء من "واخذ" ولا يعرف أهل اللغة "واخذ". وأما قوله تعالى: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ} [الشعراء: 61]، و {رَأى الْقَمَرَ} [الأنعام: 77]،و {تَبَوَّأُوا الدَّارَ} [الحشر: 9] وبابه فممدود في الوقف؛ لأن سقوط حرف المد في الوصل هو العارض. فجماع مذهبهم في هذا الأصل مختصرا أن نقول: كل همزة لازمة متقدمة على حرف المد، مبتدأة في حال تقدمها أو متوسطة، متحركا ما قبلها، لازما أو عارضا، أو ساكنا وهو غير معتل، فورش يمد الحروف الثلاثة إلا ما استثني. وقد تنازع القراء في هذا الأصل، فمنهم من أخذ فيه لورش بالمد الطويل المفرط، وعلى ذلك المغاربة، وقد قرأت على غير واحد منهم فرأيتهم يفضلونه في المد على ما تأخرت فيه الهمزة نحو {جَاءَ} ومنهم من زاد في التمكين على نحو ما يزيد مع تأخر الهمزة. ومنهم من ترك زيادة المد في ذلك البتة، إما منكرا لظاهر الرواية، أو متأولا لها، وإما مختارا لما الرواية عنده خلافه. فحكى أبو الحسين بن كرز، عن أبي القاسم بن عبد الوهاب، عن الأهوازي، عن أبي بكر الشذائي أنه يكره المد في "آمن، وآدم" ونحوه من المفتوح لئلا يلتبس الاستفهام بالخبر، ولا يكره ذلك في "إيمان، وأوتوا". وكان أبو الحسن الأنطاكي ينكر زيادة المد في الباب كله، وعلى ذلك كان شيخه إبراهيم بن عبد الرزاق وجماعة من نظرائه. وإلى إنكار ذلك ذهبت جماعة من المتأخرين، منهم طاهر بن غلبون، واعتمدوا في علة إنكار ذلك على التباس الخبر بالاستفهام. وقد وضع أبو محمد مكي كتابا يؤيد فيه قول المصريين، وكذلك أبو عبد الله بن سفيان وضع كتابا على الأنطاكي خاصة، إلا أنه تعدى فيه الرد عليه إلى التحامل والجفاء. وكان أبو عمرو عثمان بن سعيد يذهب إلى أن ما جاء عن أهل مصر ليس فيه دليل على زيادة المد في هذا الأصل، وتأول ما ورد عنهم على ما قد ذكروه في كتبهم. والظاهر أن زيادة المد الثابت عن أهل مصر على خلاف ما سواهم عليه من ترك الزيادة. والذي أختاره الزيادة في مد ذلك وإشباعه من غير إفراط ولا خروج عن حد كلام العرب، فأتبع القوم على ما رووا عن صاحبهم، ويكون ذلك أعون على التمطيط والتجويد الذي نلتزمه، ولا أخرج مع ذلك عن الاستناد إلى علة مجوزة لذلك. وتلك العلة ما ذكره لي أبي -رضي الله عنه- وأملاه علي فقال: إنما أشبع ورش المد في حرف المد بعد الهمزة في "آمن، وأوتي، وإيمان" إتباعا لإشباع مد حرف المد إذا كانت بعده الهمزة في {جَاءَ}، و {لِيَسُوءُوا} [الإسراء: 4]، و {تَفِيءَ} [الحجرات: 9] وذلك لأن المد إنما يستعمل وصلة إلى اللفظ بالهمزة؛ لأن المد ينتهي به إلى مخرج الهمزة فيسهل النطق به، وإذا تقدمت الهمزة فقد حصل النطق بها، ولم يحتاجوا إلى مد يوصل، فكان ذلك المد لمجرد الإتباع لا لعلة موجبة، والاعتلال بالإتباع في كلامهم كثير. قال: وما خرج عن هذا فهو استثناء من هذا الأصل، ورجوع إلى لغة من لم يتبع "كالقرآن، والظمآن" ونحوه. الأصل الثاني: الياء والواو إذا انفتح ما قبلهما، وأتى بعدهما همزة في كلمة واحدة، ويسميها القراء حرفي اللين نحو "شيء، وشيئا، وكهيئة، واستيئسوا، وسوأة أخي، وسوآتكم، وسوآتهما" وشبهه. فكانوا يأخذون لورش بزيادة التمكين للمد في ذلك، فمنهم من يفرط، ومنهم من يتوسط، واستثنوا من ذلك {مَوْئِلًا} [الكهف: 58]، و {الْمَوْؤُودَةُ} [التكوير: 8] فلم يزيدوا في تمكينه، زاد أبو محمد مكي وغيره "سوآتكم، وسوآتهما" قال: يمد ما بعد الهمزة ولا يمد ما قبلها. وكان أبو عدي، فيما حكى عنه أبو الفضل الخزاعي، يمد ما جاء من لفظ "شيء، وشيئا" فقط غير مفرط فيه، ويقصر فيما سوى ذلك، وهي رواية طاهر بن غلبون، وأظن أنها رواية ابن سيف عن أبي يعقوب، والأوليين رواية النحاس عنه، على أن الأهوازي ذكر عن الخرقي عن ابن سيف المد في الياء والواو كما بدأنا به. فأما الوقف على الممدود، فكل ما بقي في الوقف الموجب لمده مُد، وما زال فيه الموجب لمده لم يُمد..المد في فواتح السور: المد في فواتح السور إنما هو لعلة التقاء الساكنين، فما كان فيه منها التقاء ساكنين مد، وما لم يكن فيه لم يمد. وقد قسمها مكي وأبو عمرو أربعة أقسام:قسم هجاؤه على حرفين نحو "ها، وحا، ويا، وطا" فهذا لا إشباع مد فيه، إنما هو التمكين الذي لا يخلو منه حرف المد فقط، إلا أن أبا عبد الله الطرفي حكى عن قوم أنهم أخذوا لورش خاصة فيه بالإشباع إتباعا لما التقى فيه ساكنان، ولم أر ذلك لغيره. وقسم هجاؤه على ثلاثة أحرف أوسطها متحرك نحو "ألف" فهذا لا يعرض فيه مد؛ لأنه ليس فيه حرف مد. وقسم هجاؤه على ثلاثة أحرف، ثانيه حرف مد ولين نحو "كاف، وميم، وقاف، وسين" فهذا للجميع من القراء، مشبع المد، وما كان منه مدغما أطول مما لم يكن مدغما عند أكثر أهل الأداء، وبعضهم يسوي بين المدغم وغيره، والمخفى كالمظهر في الحكم. وقسم هجاؤه على ثلاثة أحرف، ثانيه ياء قبلها فتحة، وهو الذي أخبرتك أن القراء يسمونه حرف اللين، وذلك "عين" في {كهيعص} [مريم: 1]، و {عسق} [الشورى: 2] لا غير، فهذا فيه لهؤلاء المتأخرين قولان:منهم من يمده لورش وحده، ولا يمده لسائر القراء، وهو مذهب أبي عبد الله بن سفيان. ومنهم من يمده للجماعة، فإذا قلنا: يمده للجماعة فيه، فمنهم من سوى بينه وبين حرف المد، وهو رأي ابن مجاهد، ومنهم من حطّه عنه، وهو مذهب ابن غلبون وأصحابه. ولا أعلم أحدا ترك مد "عين" لورش، وإنما ذلك لأنه يمد "شيئا" وبابه، ومده لشيء يوجب مده لعين. فأما سائر القراء فلا مد عنهم في "شيء" وبابه، فمن كان مذهبه من المتعقبين ترك المد في الوقف لما اجتمع فيه ساكنان لم يمد "عين" لأن حروف التهجي في حكم الموقوف عليها، ومن كان مذهبه المد في الوقف مد "عين" فاعلمه. فأما {الم، اللَّهُ} [آل عمران: 1، 2] في قراءة الجماعة و {الم، أَحَسِبَ النَّاسُ} [العنكبوت: 1، 2] في قراءة ورش فمن أهل الأداء من يراعي اللفظ، فلا يزيد في تمكين الياء من هجاء "ميم" فيهما لتحريك الميم، وعلى ذلك نص إسماعيل النحاس عن ورش. ومنهم من يسوي بينه وبين {الم، ذَلِك} [البقرة: 1، 2] وسائر ما لم تعرض فيه حركة، وهو القياس، وعليه أكثر الشيوخ للجميع من القراء. فأما ما عرض فيه التقاء ساكنين في الوقف نحو: "تكذبان، والرحمن، ويعلمون، وتبصرون، وخبير، وبصير" وكذلك "لا ريب، والموت، وصالحين" فلأهل الأداء فيه مذهبان: منهم من لا يمد شيئا من ذلك؛ لأن الوقف يحتمل اجتماع ساكنين، فحرف المد في هذا كغيره نحو "حفص وبكر"، وممن ذهب إلى هذا ابن سفيان. ومنهم من يمد ويقول: إذ قدرت على الفرار من التقاء الساكنين لم أجمع بينهما. وإلى هذا يميل أبي -رضي الله عنه- وهو اختيار أبي الحسن الأنطاكي، وكلا القولين صواب. وذكر سيبويه في "بكر وعمرو" أن من العرب من يكره فيه التقاء الساكنين، فينقلحركة الحرف الموقوف عليه إلى ما قبله، فيقول: هذا البكر، ومن البكر، قال: "ولا يكون هذا في زيد وعون ونحوهما؛ لأنهما حرفا مد، فهما يحتملان ذلك كما احتملا أشياء في القوافي لم يحتملها غيرهما وكذلك الألف، ومع هذا كراهية الضم والكسر في الياء والواو، فإنك لو أردت ذلك في الألف قلبت الحرف". قال أبو جعفر: فكأن هؤلاء الذين ينقلون الحركة يلتزمون مد حرف المدة، والذين لا ينقلون وهم أكثر العرب، لا يلتزمون ذلك، والله أعلم. فأما تفضيل حرف المد واللين في هذا على حرف اللين، فعلى ما تقدم من اختلاف المتعقبين فيه، على أن أبا عمرو قد ذكر أن حذاق أهل الأداء على ترك المد في حرف اللين نحو {الْمَوْتْ}. وقد تقدم من نص سيبويه تسميته له حرف مد، وهو في حكم الوقف كحرف المد واللين، من مد أو تركه، على القولين، كما كانا في حكم الإدغام سواء، والله أعلم..باب: سكت حمزة: كان حمزة يسكت على ما ينقل ورش فيه الحركة، وذلك كل ساكن بعده همزة من كلمة أخرى، وليس بحرف مد، سكتة خفيفة من غير قطع لنفسه، يريد بذلك التجويد والتحقيق وتبيين الهمزة لا الوقف نحو {قَدْ أَفْلَحَ}، و {مَنْ آمَنَ}، و {عَذَابٌ أَلِيمٌ}، و {عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ}، و {جَدِيدٍ، أَفْتَرَى}، و {خَلَوْا إِلَى} وشبهه. وكذلك لام التعريف نحو "الأرض، والآخرة" لأن ذلك في حكم ما كان من كلمتين. فإذا كان الساكن حرف مد لم يسكت، نحو: {قَالُوا آمَنَّا}، و {فِي أَنْفُسِكُمْ}، و {قُوا أَنْفُسَكُمْ}. وكذلك إن كان الساكن مع الهمزة في كلمة نحو {يَنْأَوْنَ}، و {مِلءُ الْأَرْضِ}، و {يَجْأَرُونَ}، و {السَّوْءِ} إلا في أصل مطرد، وهو ما كان من لفظ "شيء، وشيئا" لا غير، وكذلك كلمة {يَسْأَمُونَ} في [فصلت: 38] وحدها. هذه قراءتي على أبي القاسم -رحمه الله- وقرأت على أبي -رضي الله عنه- من طريق أبي عمرو بالسكت كذلك لخلف وحده إلا في كلمة {يَسْأَمُونَ} وبغير سكت لخلاد في شيء من ذلك. وقرأت من طريق ابن غلبون بالسكت في الروايتين على لام المعرفة، وعلى "شيء، وشيئا" حسب، وهذا يسمى السكت الصغير. وقال مكي عن أبي الطيب: السكت لخلف وحده على لام المعرفة، ولحمزة في روايتيه على "شيء، وشيئا". وقرأت على أبي القاسم من طريق الهاشمي عن الأشناني عن عبيد عن حفص بالسكت فيما نقل ورش إليه الحركة كحمزة. وقرأت من طريق أبي طاهر عن الأشناني عن عبيد بغير سكت. واختار عثمان بن سعيد السكت في رواية عبيد عن حفص؛ لأن أبا طاهر بن أبي هاشم رواه عن الأشناني تلاوة. وقد قرأت بالسكت عن الكسائي وأبي بكر وورش من طرق لم نذكرها هنا. الباقون بغير سكت..باب: اختلاس الحركات وإسكانها: معنى الاختلاس: النطق بالحركة سريعة، وهو ضد الإشباع. وقد جاء عنهم اختلاس الحركة وإسكانها في حروف نذكرها، إن شاء الله تعالى. من ذلك: {بَارِئِكُمْ} في الحرفين في [البقرة: 54] و {يَأْمُرُكُمْ}، و {يَأْمُرُهُمْ} حيث وقعا، و {يَنْصُرْكُمُ} في [آل عمران: 160]، [والملك: 20]، و {مَا يُشْعِرُكُمْ} في [الأنعام: 109]. قرأ أبو عمرو باختلاس الحركة فيهن، هكذا أتى به أحمد بن جبير عن اليزيدي، وهي رواية أبي زيد عن أبي عمرو. وكذلك نص عليه سيبويه عن أبي عمرو فقال: "فأما الذين لا يشبعون فيختلسون اختلاسا، وذلك مثل: يضربها، ومن مأمنك، يسرعون اللفظ، ومن ثم قرأ أبو عمرو {إِلَى بَارِئِكُمْ}، ويدلك على أنها متحركة قولهم: من مأمنك، يبينون النون، فلو كانت ساكنة لم تبين النون". قال أبو جعفر: واختار ابن مجاهد ما حكى سيبويه عن أبي عمرو وقال: هو أشبه بمذهبه، وهو كما قال، فقرأت من طريقه على أبي الزعراء عن الدوري بالاختلاس، وكذلك قرأت على أبي القاسم -رحمه الله- لأبي شعيب من طريق الأهوازي، وهو اختيار أبي -رضي الله عنه- الذي يأخذ به لأبي عمرو في رواية أبي عمر وأبي شعيب عن الشذائي، قال لي: وآخذ على المبتدئ لأبي شعيب بالإسكان. وبالإسكان لأبي شعيب قرأت على غير أبي القاسم، وبه جاءت النصوص عن اليزيدي، وهو عند سيبويه مما يختص به الشعر، قال سيبويه: "وقد يجوز أن يسكنوا المجرور والمرفوع في الشعر، شبهوا ذلك بكسرة: فَخِذ، حيث حذفوا فقالوا: فَخْذ، وبضمة: عَضُد، حيث حذفوا فقالوا: عَضْد؛ لأن الرفعة ضمة، والجرة كسرة". وقال لي أبي -رضي الله عنه: روايتهم عن اليزيدي الإسكان إنما هو تجوز في العبارة، أو تحصيل للفرق بين الاختلاس والإسكان، والوجه رد مذهب أبي عمرو إلى ما تقرر عنه في الكتاب. وقرأ الباقون بإشباع الحركة في هذه الكلم. من ذلك: {أَرِنَا}، و {أَرِنِي} وجملتها خمسة مواضع: في البقرة: {وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا} [128]، و {أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} [260]، وفي [النساء: 153] : {أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً}، وفي [الأعراف: 143] {أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ}، وفي [فصلت: 29] : {أَرِنَا الَّذَيْنِ}. قرأ ابن كثير وأبو شعيب، إلا من طريق الأهوازي، بإسكان الراء فيهن، وهو على بعده وجه من الإسكان في {بَارِئِكُمْ} ونظائره؛ لأن الكسرة فيه بناء. تابعهما على الإسكان في {فُصِّلَتْ} ابن عامر وأبو بكر. وقرأت في رواية أبي عمر عن اليزيدي باختلاس كسرتها فيهن، وكذلك قرأت من طريق الأهوازي لأبي شعيب، الباقون بإشباعها. وقال لي أبو الحسن بن شريح: من كسر واختلس رقق الراء، ومن أسكن فخمها. من ذلك: {فَنِعِمَّا} في [البقرة: 271]، و {نِعِمَّا يَعِظُكُمْ} في [النساء: 58]. قرأ ابن كثير وورش وحفص بكسر النون، وإشباع كسرة العين. وقرأ قالون وأبو عمرو وأبو بكر بكسر النون واختلاس حركة العين، وورد النص عنهم بالإسكان، وفيه الجمع بين ساكنين وهو غير جائز عند البصريين، ويجوز عند الكوفيين، وعليه شدد حمزة الطاء من {اسْطَاعُوا} [الكهف: 97] الباقون بفتح النون وكسر العين. من ذلك: {لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ} في سورة [النساء: 154]. قرأه ورش بإشباع حركة العين، وتشديد الدال، وقرأ قالون باختلاس حركة العين وتشديد الدال، والنص عنه بالإسكان، وفيه الجمع بين ساكنين. الباقون بإسكان العين وتخفيف الدال. من ذلك: {يَهِدِّي} في [يونس: 35]. قرأه ابن كثير وورش وابن عامر {أَمَّنْ لا يَهَدِّي} بفتح الياء والهاء وتشديد الدال. وقرأ قالون وأبو عمرو كذلك إلا أنهما اختلسا حركة الهاء، والنص عن قالون بالإسكان. وقال اليزيدي عن أبي عمرو: كان يشم الهاء شيئا من الفتح. قال الأهوازي: وجدت الحذاق من أهل الأداء عن أبي عمرو يأخذون في {يَهِدِّي} بالإشارة إلى فتح الهاء. وقال الشذائي: قال ابن مجاهد: قل من رأيت يضبط هذا، يعني الاختلاس والإخفاء، قال: وسألت متقدما منهم مشهورا عن "يَهَدِّي" فلفظ لي به ثلاث مرات، كل واحدة تخالف أختها. قال الشذائي: وكان أكثر ما يقرئ به ابن مجاهد الفتح، إلا من رآه موضعا لذلك. وقال ابن رومي عن العباس: إنه قرأه على أبي عمرو خمسين مرة، فيقول مرة: قاربت، ومرة: لم تصنع شيئا. وقرأ أبو بكر بكسر الياء والهاء. وقرأ حفص بكسر الهاء حسب. وحمزة والكسائي بإسكان الهاء والتخفيف. من ذلك {يَخِصِّمُونَ} في يس [49]. قرأ الحرميان وأبو عمرو وهشام بفتح الخاء وتشديد الصاد. واختلس فتحة الخاء قالون وأبو عمرو، والنص عن قالون بالإسكان، والنص عن أبي عمرو على ما ذكرنا في {يَهِدِّي}. وحمزة بإسكان الخاء وتخفيف الصاد. والباقون -وهم عاصم وابن ذكوان والكسائي- بكسر الخاء، وتشديد الصاد. وعبر كثير من أهل الأداء في "نعما، وتعدو، ويهدي، ويخصمون" بإخفاء الحركة في مذهب أبي عمرو وقالون، ومرادهم به الاختلاس. وذكر سيبويه أن الاختلاس لا يكون في الفتحة لخفتها، فقال لي أبي -رضي الله عنه: الذي ينبغي أن يوجه عليه الاختلاس والإخفاء في "يهدي، ويخصمون، وتعدو" أن يكون على اجتماع الساكنين في الوصل كاجتماعهما في الوقف في: زيد وعمرو، ثم يشير إلى الحركة في الوصل كما يشير إليها في الوقف بالروم، فالإخفاء والاختلاس في الوصل كالروم في الوقف، فأما من لم ير اجتماع ساكنين في الإدغام فإنه أتى بالحركة مطلقة معراة من الإشباع أو الاختلاس لخفتها، فكل بنى على منزلته، سواء كان القائل به بصريا أو كوفيا. من ذلك: {وَمَكْرَ السَّيِّئِ} في [فاطر: 43]. قرأه حمزة بإسكان الهمزة في الوصل، وهذا على أنه استثقل حركة الإعراب فسكنها، كما تسكن حركة البناء في: إبل ونحوها، على ما قدمنا عن سيبويه. فإذا وقف حمزة فله وجهان:أحدهما: أن يبدل الهمزة ياء ساكنة ويثبتها، فيقول: "السَّيِّيْ". والثاني: رواه أبو عمر الدوري عن سليم عنه أنه يقف على {السَّيِّئِ} بياء ساكنة مشددة، وهذا يستحسنه أبي -رضي الله عنه- ويأخذ به. الباقون بخفضها في الوصل وإسكانها في الوقف، ولك أن تروم الحركة. من ذلك: {وَتَعِيَهَا} في [الحاقة: 12]. روى الحلواني عن خلف، وخلاد عن سليم، وابن سعدان، وأبو الأقفال عبد الله بن يزيد عن سليم عن حمزة باختلاس كسرة العين فيها. وروى أبو ربيعة والخزاعي وابن الصباح عن قنبل "وتَعْيَها" ساكنة العين. الباقون بإشباع كسرة العين. وفي الياء من هذا الفعل خلاف، لم أذكره لخروجه عن الغرض هنا.
|